أرشيفات الوسوم: عبدالرحمن الأبنودي

الأبنودي كما عرفه جيل الثمانينيات

لم يدرك جيل التسعينيات قيمة أدب الأبنودي، أو مكانته ربما سمع عنها لكن بكل تأكيد لم تشهدها عيناه.

حينما تدخل بهو معرض الكتاب السنوي في القاهرة يعلو صوت الأبنودي هو يقرأ جوابات حراجي القط (1969 – 1977 – 1985)، يصطف الزوار لشراء شرائط الكاسيت بصوت الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، كان جديدا أن تعرف أن الدواوين الأدبية تباع في شرائط كاسيت، سرعان ما تزول الدهشة عندما تعلم أن جوابات حراجي الأعلى مبيعًا، فقررت أن أجرّب بنفسي كيف ستزول دهشتي، فتيقنت أن الحالة المزاجية للاستمتاع بالأدب الشعبي اكتملت حين سمعت تلك الرسائل بصوت الأبنودي ليرسم صورة ذهنية لا تزول ليست عن حراجي فقط بل تتسع الصورة للزمان والمكان كأنك انتقلت من مكانك إلى جبلاية الفار بأسوان حالة من الاستمتاع الأدبي يكسوها صوت حاني أنهكه الزمن ويملأه الحنين والشجن.

“..ورميت نفسي وسط الجدعان .. وبكيت ..

وبلدنا اللي كنا بنمشيها ف نص نهار

كان القطر في لحضه .. فاتها بمشوار .

سامحيني يا فطنه على التأخير ..

ولو الورقه يا بت الخال تكفي

لأعبي لك بحر النيل والله بكفيِ

وختاماً ليس ختام ..

بابعت لك ِ

ليكي ولناس الجبلايه ولبتي عزيزه والواد عيد

ألف سلام

زوجك … لوسطى حراجي” .. (رسائل الاسطى حراجي)

 

كان غريبًا أن يستمع طالب لم ينته بعد من دراسته للثانوية لشعر عامي، لم يدرسه طيلة دراسته التعليمية، وكثيرًا ما كان أساتذة اللغة العربية في المدارس يستنكرون الكتابة بالعامية ولا يعدونه شعرًا من الأساس، تلك النقيض لم يبرح صدري منذ وقتها، لم يكن ضيقا من الشعر العامي، بل انغماسا فيه وتمعنا فيه أكثر، فاستطاع الأبنودي أن يلفت انتباه الملايين إلى الشعر العامي وجماله بجانب فطاحله كبار من شعراء الفصحى أمثال أمل دنقل عاشوا في نفس الحقبة الزمنية، الذي عاش وترعرع فيها الأبنودي، الذي كتب بيده وصيته في حوار النفس مع النفس:

“إوعى تعيش يوم واحد بعد عيالك

إوعى يا عبد الرحمان..

في الدنيا أوجاع وهموم أشكال والوان..

الناس مابتعرفهاش..

أوعرهم لو حتعيش

بعد عيالك ماتموت..

ساعتها بس ..

حاتعرف إيه هوّه الموت..!!

أول مايجي لك .. نط

لسه بتحكي لهم بحرى حكاية

فاطنة وحراجي القط..؟

آ.. باي ماكنت شقي وعفريت

من دون كل الولدات..

كنت مخالف..

برّاوي..

وكنت مخبي في عينيك السحراوي

تمللي حاجات..

زي الحداية ..

تخوي ع الحاجة .. وتطير ..

من صغرك بضوافر واعرة .. ومناقير..

بس ماكنتش كداب..

وآديني استنيت في الدنيا

لما شعرك شاب..!!

قِدِم البيت..

اتهدت قبله بيوت وبيوت..

وأصيل هوه..

مستنيني لما أموت..!!

حاتيجي العيد الجاي؟

واذا جيت

حاتجيني لجاي؟

وحتشرب مع يامنة الشاي ..؟

حاجي ياعمة وجيت..

لالقيت يامنة ولا البيت” .. (قصيدة يامنة)

عبد الرحمن الأبنودي الذي رحل في 21 أبريل 2015، خلّف 22 ديوانا وكتب لأكثر من 20 مطربا من بينهم عبد الحليم حافظ وفايزة أحمد وماجدة الرومي ومحمد منير، ومحمد رشدي، ونجاة الصغيرة، وشادية، وكتاب السيرة الهلالية، حصل على جائزة الدولة التقديرية عام 2001، ليكون بذلك أول شاعر عامية مصري يفوز بجائزة الدولة التقديرية.

هذا هو الخال كما عرفه الجميع مَنْ كتبه وذكره وعاتبه وناجاه.. “مزيج بين الصراحة الشديدة والغموض الجميل، بين الفن والفلسفة، بين غاية التعقيد وقمة البساطة، بين مكر الفلاح وشهامة الصعيدي، بين ثقافة المفكرين وطيبة البسطاء.. هو السهل الممتنع، الذي ظن البعض أن تقليده سهل وتكراره ممكن”.