أرشيفات الوسوم: مصر

ثورات مصر الثلاثة وديونها..كيف وصلت من 1.7 مليار لـ1.9 تريليون ؟

3 ثورات خلال 62 عاما مرّوا على مصر قاموا من أجل إصلاحات اقتصادية واجتماعية بدءا من ثورة يوليو 1952، مرروًا بثورة 25 يناير 2011 حتى ثورة 30 يونيو 2013 ، لكن لم يكتب للشعب المصري أن يمد خطاه داخل تلك الإصلاحات وأن ينعم بحياة هانئة مستقرة طوال تلك الفترة، نتيجة الديون التي أثقلت مهام كافة الحكومات المتعاقبة فقد بدأ الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر ديون مصر عقب الثورة مسلسل الاقتراض من الخارج ليترك مصر عام 1970 بديون 1.7 مليار لينتهي المشهد عند السيسي بعد ثورة 30 يونيو ليصل الدين 1.9 تريليون جنيه أي 93% من الناتج المحلي.

الدين العام عام 2014 بحسب وزارة المالية المصرية
الدين العام المصري

البداية مبشرة لكن لم تستمر عندما استطاعت مصر استغلال ظروف الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) وبدأت سياسة الاقتراض المحلي في محاولة للاستفادة من المدخرات بالعملات الأجنبية التي استطاعات مصر مراكمتها خلال الحرب مع وجود الجيش البريطاني وبلغت نحو 450 مليون جنيه إسترليني، حيث كانت الخزانة المصرية مثقلة بالديون في عصر الخديوي إسماعيل (1830 – 1895) لكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حققت مصر قفزة اقتصادية، حيث نجحت في تسديد كامل ديونها الخارجية، وبدلاً من اللجوء إلى الخارج.

وبعد 7 سنوات عــادت مصـــر إلى الاقتراض من الخارج بعد ثورة 23 يوليو 1952، بعد العدوان الثلاثي، ذلك في إطار تحقـــيق مشاريع سياسية وعسكرية واقتصادية طموحة، فاتجهت نحو دول الكتلة الشرقية، خصوصاً الاتحاد السوفيتي، وكان الهـــدف بناء جيش قوي وحديث بدلاً من الجيش الملكي الذي كان بعــــيداً بسنوات عن العصر.

وكشف تقرير التنمية العالمي الصادر عن البنك الدولي في 1990، أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ترك لمصر بعد وفاته في 1970 ديوناً خارجية لم تتعد 1.7 مليار دولار، أما في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، فارتفع حجم الدين إلى 2.5 مليار دولار بسبب حرب 1973، وكانت الديون العسكرية أكبر من ذلك، ولم تسدد مصر معظمها حتى أسقطها الاتحاد السوفيتي.

ووسط مقاطعة عربية بعد توقيع معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، تضاعفت الديون الخارجية لمصر أكثر من 8 أضعاف، ليصل الرقم الإجمالي عام 1980 إلى نحو 21 مليار دولار، بحسب تقرير البنك الدولي.

لكن الخطورة الكبرى لتراكم الدين، برزت في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، حيث شهد عام 1988 تضاعف حجم الديون المصرية بنسبة 250% إلى نحو 49.9 مليار دولار، ولم تتراجع الديون إلا بعد الخضوع لشروط صندوق النقد والبنك الدوليين والدول الدائنة، خصوصاً في ما يتعلق ببيع القطاع العام أو تخصيصه واتباع سياسة اقتصادية ليبرالية، وفتح الاقتصاد المصري أمام الاستثمارات الأجنبية من دون أي ضوابط، فضلاً عن ديون أُسقِطت عندما انضمت مصر إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد العراق عام 1990، في أعقاب الاحتلال العراقي للكويت.

ثم سجلت أرقام الديون قفزات كبيرة حتى بلغت في يناير 2011، أي مباشرة قبل الثورة على مبارك، نحو تريليون و172 مليار جنيه، أو أكثر من 91% من الناتج المحلي الإجمالي البالغ نحو تريليون و373 مليار جنيه، منها 962.2 مليار جنيه دين داخلي.

ومع إعادة جدولة الديون الخارجية في يوليو 2009 بالتعاون بين كل من نادي باريس وصندوق النقد والبنك الدوليين، بلغ الدين الخارجي لمصر في عهد مبارك 34.9 مليار دولار، وجرت الجدولة في فترات متباعدة حتى 2050، وبفوائد عالية جداً، وبأقساط نصف سنوية، ما يعني استنزاف نحو 25% من المصادر الاقتصادية للبلاد.

معدل نمو الناتج المحلي للدول
معدل نمو الناتج المحلي للدول

أرقام مخيفة عن اقتصاد مصر !

ما بين خلعٍ وعزلٍ وتفويض أفضى لانتخاب، تقطّعت أنفاس المصريين جريًا وراء أمل أن يجد ضعيف الحيلة قوت يومه دون مذلة أو عناء يتحول بعد فترة لاستجداء بائس.

في الوقت الذي أنهك فيه عطش نهار رمضان ما تبقى من مقاومة قرارات قد تجلب مزيدًا من البؤس بعد ثورتين متتابعتين طفت أرقاما مخيفة لا يعي البعض ما تحمله من تداعيات، بجانب أن ما حدث من قرارات رفعت بدورها الأسعار ما هو إلا جزءٌ من كل، فارتفاع أسعار البنزين لتوفير 40 مليار جنيه من أصل 104 مليارات جنيه، القيمة الكلية للدعم، ما هو إلى خطوة نحو سعي الحكومة للوصول للنسبة 0% في الدعم، قبل 3 سنوات ما ينبئ عن ارتفاع تلك الأسعار مرة أخرى.

تصدمنا الأرقام حين نعرف أن معدل النمو الاقتصادي انخفض إلى 1.2%، أي أننا لا ننتج ولا نصنّع، «محلك سر»، كما تراجعت قطاعات غير إنتاجية فتراجع معدل ﻨﻤﻭ ﻗﻁﺎﻉ ﺍﻟﺴﻴﺎﺤﺔ ٣٠%، ﻜﻤﺎ ﺘﺭﺍﺠﻊ ﻤﻌﺩل ﻨﻤﻭ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺎﺕ ﺍلاﺴﺘﺨﺭﺍﺠﻴﺔ ٤%، ﺨﺎﺼﺔ ﻗﻁﺎﻉ اﺴﺘﺨﺭﺍﺝ ﺍﻟﻐﺎﺯ الطبيعي، ﻭﺍﻟﺫي ﺘﺭﺍﺠﻊ ﺒﻨﺴﺒﺔ 8.2%، لتوقف الاستخراجات والاكتشافات.

وجاء ﺩﺴﺘﻭﺭ ٢٠١٤ وزاد من عبء الدولة المنهكة اقتصاديًا، باﻟﺘﺯﺍﻤﺎﺕ إﻀﺎﻓﻴﺔ بإجراءات كتعديل ﺍﻟﺤﺩ ﺍﻷﺩﻨﻰ ﻟﻸﺠﻭﺭ، بتكلفة 18 مليار جنيه، ﻭﺯﻴﺎﺩﺓ ﺩﺨﻭل ﺍﻟﻤﻬﻥ ﺍﻟﻁﺒﻴﺔ ﻭﻋﻼﻭﺓ ﺍﻷﻋﺒﺎﺀ ﺍﻟﻭﻅﻴﻔﻴﺔ ﻟﻠﻤﻌﻠﻤﻴﻥ، ﻭﺯﻴﺎﺩﺓ ﻤﻌﺎﺵ ﺍﻟـﻀﻤﺎﻥ الاجتماعي، بتكلفة 11 مليار جنيه، ﺒﺎﻹﻀﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ تثبيت العمالة المؤقتة، كلها مصاريف لم تكن تطبق فيما قبل.

ورغم تساؤلات كثيرون حول اتجاهات الإنفاق من حصيلة إيرادات الضرائب ودهشتهم من كثرة الرسوم نجد مصر من أقل الدول من حيث الإيرادات في الضرائب، فتبلغ ﺠﻤﻠﺔ المحصلات ﺍﻟﻀﺭﻴﺒﻴﺔ في ﻤﺸﺭﻭﻉ ﺍﻟﻤﻭﺍﺯﻨﺔ ٣٦٤ ﻤﻠﻴﺎﺭ ﺠﻨﻴﻪ، بنسبة 15% من إجمالي الناتج المحلي، وهي ﻨﺴﺒﺔ ﻤﻨﺨﻔﻀﺔ، ﺤﻴﺙ ﻴﺒﻠﻎ ﻤﺘﻭﺴﻁ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻨﺴﺒﺔ ٢٣% في ﺍﻟـﺩﻭل ﻤﻨﺨﻔﻀﺔ ﺍﻟﺩﺨل، ﻭ٢٨% في ﺍﻟﺩﻭل ﺍﻟﻨﺎﺸﺌﺔ، ﺒﻴﻨﻤﺎ ﺘﺭﺘﻔﻊ ﺇﻟﻰ ﻨﺤـﻭ ٣٦% في ﺍﻟﺩﻭل ﺍﻟﻤﺘﻘﺩﻤﺔ، فما أكثر الهاربين من دفع الضرائب في مصر!.

حتى الدعم الخليجي لن ينتشل الاقتصاد طالما أنه عاجزا عن الإنتاج فخزانة الدولة التي استقبلت 16.7 مليار دولار العام الماضي، مازالت عاجزة عن سد الفروق بين المصروفات، فلن تفلح سياسة المنح والعطاءات وحدها ولا فقط إلغاء الدعم، بالرغم من أن السيسي واجه تلك الأزمات برفع 40% من دعم المواد البترولية، والذي وفّر 40 مليار جنيه، وطبق الحد الأقصى للأجور، الذي سيعيقه كبار قيادات قطاعي البنوك والبترول، أصدر قرارًا برفع الضريبة على الدخل، والضريبة العقارية على المباني، والضرائب على المبيعات، وقرر زيادة رسوم ﺍﺴﺘﻐﻼل ﺍﻟﻤﻨﺎﺠﻡ ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﺠﺭ وتعديل قوانينها، ﻭﺯﻴﺎﺩﺓ ﺍﻹﻴﺠﺎﺭ ﺍﻟﺴﻨﻭي ﻟﺘـﺭﺍﺨﻴﺹ ﺍﻟﺒﺤـﺙ ﻭﺍﻟﺤﻤﺎﻴﺔ ﻭﺍﻻﺴﺘﻐﻼل، مكافحة التهرب الضريبي، إلا أن كل ذلك لن يفلح في نشل اقتصادنا العسر من وحلته، لن ينمو إلا بموارد ﻤﺎﻟﻴﺔ ﻟﻬﺎ ﺼﻔﺔ الاستدامة ﻭالاﺭﺘﺒﺎﻁ ﺒﺎﻟﻨﺸﺎﻁ الاﻗﺘﺼﺎﺩي، والإيرادات.

لا يعيب المواطن الاستجداء والاعتماد على الدعم لكن يعيب الحكومة تطبيق سياسة إلغاء الدعم دون ضوابط وأدوات للرقابة على السوق للتحكم في الأسعار، مع عجزها عن توفير خدماته واحتياجاته وفرض ضرائب وضبط أسعار الخدمات بعدالة ومساواة على جميع الشرائح المجتمعية مع إعفاء كل من هم تحت خط الفقر إذا أجزمنا بمقدرة الحكومة على حصرهم من الأساس، فكروت البنزين التي أنفقت فيها الحكومة ملايين من الجنيهات لم نستفد منها شىء في الوقت الذي اضطرت فيه الحكومة تخفيض دعم الوقود.

إقرار قانون حرية تداول المعلومات، خاصة ذلك المتعلق بالموازنة العامة والرواتب الحكومية بما فيها المؤسسسات الأمنية والرئاسية والوزارية، وموارد الدولة وطريقة إنفاق تلك الموارد، أصبح أمرا إلزاميا، كي يعلم المصريون أين تذهب أموال دولتهم بكل شفافية وصدق، فالمصارحة والمكاشفة والمواجهة خير من القرارات الإلزامية بعيدا عن سياسة «أنا ربكم الأعلى»، حتى لا يفاجأ من في الحكم بثورة ثالثة تأكل ما تبقى من فتات دولتنا.

الموازنة المصرية 2014-2015